تفاصيل إضافية عن معرض غَزْل العروق

تُشير الرُّقع الموجودة على صدر الثوب إلى أنّ صاحبته كانت مُرضعًا، قامت، فيما بعد، بإغلاق هذه الفتحات بخياطتها، وذلك حين بلغ الطفل فطامه. ويُظهر الثوب تطريزًا آليًّا على الأكمام واستخدامًا لحرير الـ "appliqué"، ما يدلّ على الحالة الاجتماعيّة والمادّيّة الجيّدة لعائلة المرأة. بإمكاننا معرفة المنطقة التي ينتمي إليها الثوب من خلال التطريز الذي يحمله، إذ تحتوي حاشيته غُرزة انتشرت في الخليل، بينما تشير غرزة "الطريق" إلى غزّة، ما يجعلنا نُخمّن أنّ صاحبة الثوب كانت، ربّما، تعيش بين المنطقتين.

تشير الرُّقع على ركبتَيّ الثوب إلى وضعيّة جلوس صاحبته لممارسة أعمال المنزل، مثل غسل الخضراوات أو طحن القمح أو تحضير الطعام، أمّا الألوان الباهتة على أحد جانبيّ الثوب، فهي دلالة على أنّ المرأة اعتادت الجلوس في مكانٍ ما دون غيره، فكان أحد جانبَيّ الثوب أكثر عُرضة للشمس من الآخر، وعندما كانت بعض أجزاء الثوب تهترئ جرّاء الاستعمال، لا سيّما تحت الإبط أو عند الكوع، كانت المرأة ترتقها باستخدام قماش تقتطعه من قمصان زوجها القديمة.

شهدت أعوام السبعينيّات تبلور التطريز الفلسطينيّ كحجر زاوية في عمليّة إحياء التراث وصياغة الهويّة القوميّة، وذلك تزامناً مع تصاعد المحاولات الإسرائيليّة للاستيلاء على الثقافة الفلسطينيّة، فترادفت الفلّاحة الفلسطينيّة بثوبها المطرّز مع صمود فلسطين، من خلال علاقة الفلّاحين بالأرض، وراحت صور فلسطين الريفيّة كأرضٍ للحلم، وصور المرأة كأمٍّ وزوجة مثاليّة ومقاتلة، تنتشر عبر الملصقات، ما مدّ التطريز ببعده الرمزيّ الذي ما يزال حاضراً في نتاجاته إلى اليوم.

شهدت صور ورسومات النساء في الملصقات مزيداً من العسكرة في أعوام السبعينيّات والثمانينيّات، تزامناً مع تصاعد المقاومة الفلسطينيّة، ليبلغ الأمر ذروته خلال الانتفاضة الأولى في العام 1987، حين بدأت النساء، في مخيّم قلنديا والقرى حول الخليل، بصناعة أثواب الانتفاضة. وشهدت تلك الحقبة، على ضوء هذا الأمر، تعبيرَين مختلفَين، لكن مُتّصلَين، عن الحضور الأنثويّ عبر الصورة: فهي، من جهةٍ، تمثّل الأرض والأُمّ والتاريخ، وتمثّل، من جهةٍ أُخرى، المقاتلة الناشطة في صفوف المقاومة الفلسطينيّة، وهما صورتان تكوّنتا، في إحدى جزئيّاتهما، بفضل التطريز.

عندما اندلعت الانتفاضة الأولى عام 1987، اعتُمد التطريز سلاحاً فعّالاً ووسيلة جديدة للمقاومة. وحين صُودرت الأعلام الفلسطينيّة خلال التظاهرات، وحظرت السلطات الإسرائيليّة الألوان الفلسطينيّة في الأمكنة العامّة، صنعت نساء الضفّة الغربيّة "أثواب الانتفاضة"، وطرّزن على أقمشتها، ذات الألوان الرصاصيّة والزرقاء والسوداء، رسوماً وشعارات وطنيّة. تحمل بعض الأثواب رسوم قبّة الصخرة، وسفينة العودة، أو أحرف PLO (منظّمة التحرير الفلسطينيّة) مُتداخلة مع الأشكال والرسوم التقليديّة.

جعلت الأثواب، عبر علاقتها الحميمة بأجساد مرتدياتِها، من حضور المرأة، هُنا، مجالاً لمقاومة سياسيّة فاعلة، لكنّ التطريز يبقى وسيلة تظاهر غير راجحة، فالجهد اليدويّ والوقت الذي يتطلّبه يناقض التلقائيّة التي تعبّر عنها كتابات جدران الشوارع ورسومها. ومع هذا، فإنّ مطرَّزات الانتفاضة تعكس الطبيعة الممتدّة للمقاومة الفلسطينيّة.

في الأعوام التي تلت النَّكبة، اتّخذ التطريز مكانة خاصّة باعتباره رمزاً لقرويّة فلسطين وعراقتها وصمودها أمام ممارسات المحو الإسرائيليّة. وأصبح حضور النساء على المستوى الجسديّ، باعتبارهنّ من يمثّلن التطريز، وبارتباطهنّ بمفاهيم العفّة والأمومة (مع تناقضهما)، المجسّد لتلك المعاني الرمزيّة. وإلى جانب صور المدينة وشجرة الزيتون والمنجل والحصاد، صارت المرأة القرويّة أيقونة استلهمها فنّانو سبعينيّات القرن العشرين وثمانينيّاته، إذ ساهم "فنّ التحرير" الذي التزموا به في الاستراتيجيّة التي انتهجتها منظّمة التحرير الفلسطينيّة لإحياء التراث والحِرَف الفولكلوريّة.

غزت هذه الصور الملصقات التي انتشرت في الأمكنة العامّة وبين الجماهير على نحو واسع. ومع ما تسبّبت به النَّكبة من تقويض لعلاقة الكثير من النساء مع الحياة الزراعيّة، مُبدّلة بها علاقتهنّ بالتطريز، فإنّ الأعمال الفنّيّة التشكيليّة والمُلصقات التي ظهرت بعد النَّكبة، أعادت التأكيد على تلك العلاقة مع الأرض والتطريز، مُحيلةً المرأة، حرفيًّا في بعض الأحيان، إلى شعار مُسطّح يشير إلى التاريخ أو المقاومة.

عُرفت منطقة الخليل بثوب الجلّاية، الذي كان يُصنع من قماش سميك، يمكن فتح جزئه الأماميّ، وكان يُرتدى فوق ثوب آخر. وخلال حقبة الانتداب البريطانيّ، أغلقت النساء فتحة الثوب الأماميّة من الداخل بخياطتها، وذلك استجابة لتحوّل التقاليد الاجتماعيّة في تلك المرحلة نحو البساطة. صارت الجلّاية بعد ذلك تحتوي قبّة متينة في منطقة الصدر، أو شقّاً طويلاً مُحكم الإغلاق، وذلك للمحافظة على نمط الثوب المحلّيّ المعروف، ولكن دون الإخلال باتجاه الذوق السائد.

امتازت هذه الأثواب في منطقة الخليل باستخدام خيطان الحرير وقماش التَّفتة السميكة، وكان يُعهد بها إلى مطرِّزة محترفة لتنفّذها مقابل أجر مدفوع. وشاع أيضاً في المنطقة استخدام نقشة "خيام الباشا"، إضافة إلى رموز العنب التي تنتشر كرومها فوق تلال المدينة.

في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كان العديد من سكّان يافا يعملون في تجارة واستيراد وتصدير منتجات البرتقال والقطن والزيتون والسمسم، الأمر الذي ترك آثاره على أثواب نساء المنطقة، فشاعت فيها مطرَّزات تُحاكي رسوم ثمار الحمضيّات والتّين.

خلّفت سهولة الحركة ومظاهر اختلاط المؤثّرات الثقافيّة تنوّعاً لافتاً في أثواب منطقة السهل السَّاحليّ الجنوبيّ، فظهرت أثواب ثقيلة وكثيفة التطريز والترقيع، كما في نمط الجلّاية، ما يُشير إلى تحدّرها من قرى غرب الخليل، وثياب أخرى تتميّز بالبساطة والخفّة، مع كمٍّ متقشّف من التطريز على قماش أبيض في الغالب، في دلالة على مجيئها من قرى قرب الرملة ويافا.

تميّزت أثواب غزّة بتواضع تطريزها مقارنة مع أثواب مناطق أخرى، وغلبت الأشكال الهندسيّة على وحدات التطريز في منطقة غزّة، بالإضافة إلى ألوانها الورديّة والحمراء، وتبدو مساحة الصدر المطرّزة فيها نمطيّة، ومستوحاة من أشكال الحُلِيّ والتمائم التي كانت المرأة ترتديها حول عنقها استحضاراً للحظّ الجيّد. وكان أهل غزّة يطرِّزون، في العادة، على قماش المجدلاوي، الذي اكتسب اسمه من قرية المجدل التي شكّلت مركزاً مهمًّا للنسيج في المنطقة، وعرفت بالأقمشة المقلّمة باللّونين الورديّ والأخضر.

ارتدت نساء البدو في صحراء النقب والمناطق الجنوبيّة أثواباً من قماش أسود أكبر مقاساً وحجماً من أثواب نساء القرى في مناطقهنّ. وقد تصدّر هذه الأثواب نمطان: أثواب ضخمة وفضفاضة ذات أكمام مدبّبة بشكل مُفرط، وأثواب ضيّقة الأكمام وأقلّ ضخامة، ارتدين معها قلادة الحجاب مثلّث الشكل، والذي كان يُعتقد بقدرته على ردّ العين والحسد. كما ارتدت النساء هذه الأثواب مع بُرقع شُكّت فيه قطع نقديّة وخرز وما يتوفّر من قطع فضّة وحجارة عنبر، بالإضافة إلى غطاء ينسدل عن الرأس إلى الخلف.

اعتمد بدو المناطق الجنوبيّة في القرن التاسع عشر في معيشتهم على الماشية، بالإضافة إلى انخراطهم في حركة نقل البضائع بين غزّة ومصر، الأمر الذي يفسّر تشابه أثواب نسائهم مع أثواب نساء بدو سيناء. وتأثّرت هذه الأنشطة بحضور القطار والسيّارات في مطلع القرن العشرين، وبعد عام 1948 انتهت قبائل النقب في حياة التشرّد، أو في معسكرات إسرائيليّة دائمة.

رغم انبثاق التطريز في سوريا من تقاليدها المحلّيّة، فإن العديد من الصفات المشتركة جمعته بالتطريز الفلسطينيّ جرّاء القرب الشديد بين الجليل ووادي الأردنّ وجنوب لبنان وسوريا وشمال الأردنّ. وساهم التنقّل بين هذه المناطق، والعلاقات المشتركة بين سكّانها في أيّام السلطنة العثمانيّة، في تحويل الجليل إلى منطقة غنيّة بالأقمشة وتقاليد الثياب المتنوّعة. كانت سوريا المنتج الرئيس للحرائر الفاخرة، التي بلغت فلسطين بفضل العلاقات بين تلك البلدات الشماليّة. وتشترك تقاليد التطريز السوريّة الجنوبيّة والفلسطينيّة بغُرزة الفلّاحيّ، وبميلها للأشكال والرسوم الهندسيّة في زخارفها، كما تتشابه قصّات الأثواب: فالأكمام المزيّنة ومعطف الجلّاية المفتوح من الملامح التي تشترك فيها أثواب النساء في فلسطين وجنوب سوريا.

اشتهرت بيت دجن بمطرّزاتها الفاخرة ذات الغرز الصغيرة والمُحكَمة، وبسبب الموقع الجغرافيّ لهذه المنطقة على تقاطع طرق يافا وغزّة وحيفا والرّملة، تعرّفت النساء على عدد لا يُحصى من التصاميم المستمدّة من حرف ومجالات أخرى. وراج، في العشرينيّات، نمط تطريز التحريريّ في أثواب بيت دجن، وتُستخدم فيه خيوط من حرير وفضّة، وسمّي "الرشق"، جاءت به امرأة من بيت لحم سكنت في بيت دجن، واستلهم أبناء البلدة هذا النمط، لكنّهم استخدموا فيه الخيوط البيضاء بدلًا من تلك الفضيّة أو الذهبيّة المستخدمة في بيت لحم.

كما هو الحال مع الأثواب، تعدّدت أنماط أغطية الرأس النسائيّة وأشكالها حسب المناطق في مختلف أنحاء فلسطين، لكنّها اتّسمت، جميعاً، بكثافة الزينة التي تحملها من ذهب وفضّة وقطع نقديّة. وكانت لتلك القطع النقديّة علاقة مادّيّة ورمزيّة "بِمهر" العروس الذي اعتاد العريس تسديده لوالد عروسه عند الزواج، ليقوم الوالد، وبعد تغطية تكاليف الزفاف، بمنح ما تبقّى من النقود إلى ابنته كي تزيّن بها غطاء رأسها، وكانت تُضاف إلى ذلك قطع من الذهب والفضّة والحُلِيّ التي تُشكّل حصّتها من المهر الذي سُدّد عند طلب يدها.

كانت أغطية الرأس والحُلِيّ علامات مهمّة تُشير إلى المنزلة الاجتماعيّة والحالة المادّيّة للمرأة وعائلتها. وشكّلت قيمة ما يضمّه غطاء الرأس من نقود وحُلِيّ جزءاً من الممتلكات الشخصيّة للمرأة، وكان بوسعها أن تضيف إليها أو أن تصرف منها ما تشاء، فتنتزع النقود من غطاء الرأس كي تجري تحسيناً على البيت أو الحقل، على سبيل المثال. وما عدا بعض أغطية الرأس الاحتفاليّة، التي يقتصر ارتداؤها على الأعراس، كانت النساء يستخدمن معظم تلك الأغطية في الحياة اليوميّة. وكان غطاء الرأس يُشير إلى أنّ من ترتديه امرأة متزوّجة، كما كان يُبقي ثروة تلك المرأة في متناول يدها على الدوام. وكانت النساء يُصبن بالصداع حين ينتزعن غطاء الرأس في المنزل بعد الاعتياد على ثِقَله الشديد.

لعب التطريز دوراً مهمّاً في الأعراس، إذ كانت الفتيات يبدأن بتطريز جهاز عرسهنّ من سنّ مبكّرة، وكانت تحضيرات العرس تتطلّب شهوراً أو سنوات مع شحّ المال، لأنّ خيوط التطريز الحريريّة كانت غالية الثمن، ولا يستطيع شراءها غير المقتدرين. ويبدو الثوب المطرَّز، أحياناً، وكأنّه نتاج أيدٍ مختلفة، نظراً لتطوّر مهارات الفتاة المُطرِّزة مع مرور الوقت، أو بسبب المساعدة التي كانت تتلقّاها من نساء العائلة.

كان جهاز العرس يتكوّن من ثوب خاصّ تُطرّزه الفتاة لحفل زفافها، وآخر ترتديه في أوّل ظهور لها في قريتها كامرأة متزوّجة، إضافة إلى قطع تُستخدم في الحياة اليوميّة، وأحياناً مساند وطراريح لبيتها. وكان غطاء الرأس علامة تشير إلى النضوج، تُشَكُّ فيه مئات القطع النقديّة الفضّيّة في تعبير عن كون المرأة متزوّجة، وفي تعبير عن حالتها المادّيّة.

على الرغم من تصنيف التطريز كحرفة يدويّة بيتيّة، إلّا أنّ صناعة الأقمشة المحلّيّة، بالتوازي مع حركة تجارتها الدوليّة، لعبت دوراً متميّزاً في عمليات إنتاجه. ومنذ أواسط القرن التاسع عشر، كانت أقمشة القطن والكتّان والصوف تُصنع في فلسطين، وتُحاك محلّيّاً في عدد من البلدات الرئيسيّة، إضافة إلى أقمشة أخرى تأتي من سوريا ومصر وأوروبّا. وساهم الانتداب البريطانيّ، بالإضافة إلى حركة الاستيراد المتنامية من أوروبّا وآسيا، في إدخال أقمشة جديدة إلى فلسطين، وقد حَظِي القطن الأجنبيّ بموقع متميّز نظراً لجدّته وجودته.

ضمّت بعض الأثواب القرويّة، التي تنتمي إلى القرن التاسع عشر، مساحات أو قطعاً من القطن الأوروبيّ أو المخمل الثمين في مواضع بارزة ولافتة للنظر، وغالباً ما كانت معاطف "التقصيرة"، التي تشتهر بها بيت لحم والقدس، تُبطّن بالقطن البريطانيّ، كعلامة من علامات الغنى والجاه.

مع أنّ التطريز مثّل في الأساس نشاطاً فرديّاً تقوم به المرأة لصنع ثيابها التي ترتديها، فقد كان ثمّة نساء، في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، يصنعن على الدوام مطرَّزات لبيعها في الأسواق المحلّيّة. واشتهرت نساء بيت لحم بتقنيّة "التحريريّ"، وحين غدت تلك التقنيّة مرغوبة على نطاق واسع، راحت النساء من مناطق فلسطينيّة أُخرى يوصين أو يشترين الأكمام أو قطع الصدر المطرّزة بتلك التقنيّة، كي يُضفنها إلى أثواب زفافهنّ.

أتاح حضور ماكينات الخياطة في فلسطين بين أواخر العشرينيّات ومطلع الثلاثينيّات صناعة قطع مطرّزة آليّاً وإضافتها إلى الأثواب المصنوعة يدويّاً، وقد ساهم ذلك في توفير دخل إضافي للنساء اللّواتي امتلكن ماكينة خياطة. وقد اعتاد السيّاح الذين يزورون المواقع الدينيّة ويحجّون إليها شراء قطع تذكاريّة مطرّزة، كالشالات المصنوعة يدويّاً، ولوحات تحمل أسماء مدينتَي Jerusalem أو Bethlehem مطرّزة باللغة الإنجليزيّة.

تأسّست جمعيّة إنعاش الأسرة عام 1965 في رام الله والبيرة، على يد مجموعة من النساء الفلسطينيّات، على رأسهنّ سميحة خليل. قامت الجمعيّة بتأمين الدعم لمئات الأسر الفلسطينيّة المُحتاجة، وعبر جمعها التبرّعات من السكّان المحليّين على نحو منتظم، أرست الجمعيّة ثقافة العطاء في أوساط مجتمعها المحلّي. كما تضمّنت أعمالها العديدة مشاريع تكافل اجتماعيّ، ومظاهر دعم للعائلات التي فقدت مُعيليها، والعائلات التي تأثّرت ظروفها المعيشيّة بوقائع الاعتقال أو الإصابة، إضافة إلى المنح الجامعيّة، والإعانات لقطاع غزّة.

تميّزت مراكز التدريب المهنيّ ومشاريع التطريز المنزليّة، التي أطلقتها جمعيّة إنعاش الأسرة، بحضورها الحيويّ والناشط، فمع حزيران/ يونيو 1988، كانت هناك 2600 امرأة يمارسن التطريز محلّيّاً، ويُحقّقن 60% من دخلهنّ بفضل هذا العمل. ولم تتلكّأ جمعيّة إنعاش الأسرة عن خدمة مجتمعها، حتّى بعد أن داهمت القوات الإسرائيليّة مقرّها عام 1988 وأقفلته على مدى سنتَين، فقد تابعت أعمالها ومشاريعها على نحو سرّيّ.

رغم طراز هذا الثوب البيراويّ، إلّا أنّه يحمل على أكمامه تطريزاً بنمط التحريريّ التلحميّ على قماش التفتة، دلالة على مكانة صاحبته. خلال حقبتَي الثلاثينيّات والأربعينيّات من القرن العشرين، ومع تزايد شراء النساء للأثواب، لا سيّما باهظة الثمن منها، اعتادت نساء بيت لحم تطريز الشرائط والأثواب الجاهزة لعرضها في سوق الزفاف المحلّيّ، وانتشرت الصناعات المنزليّة المشابهة في كلّ من الخليل ورام اللّه والمجدل، الأمر الذي أدّى إلى انتشار آخر صيحات الموضة في شتّى القرى.

استُلهِمت رسوم التطريز من الأشكال النباتيّة والحيوانيّة والعمارة والأزياء الدينيّة والسجّاد وأشكال الفسيفساء، كما من الحياة اليوميّة والأحداث السياسيّة المحلّيّة. وساهمت أيّام الأسواق والاحتفالات العائليّة في إقامة صلة بين النساء وبين القرويّين القادمين من مختلف أرياف فلسطين، وفي تلك المناسبات، كانت المرأة تحفظ شكلاً عاينته على أحد الأثواب، وتسارع لتنفيذه، ليجعل أيُّ خلل في الذاكرة أو ميل إلى الابتكار من الشكل المنقول شكلاً جديداً ذا هويّة واسم مُحدّدَين مُتعلّقَين بقرية المرأة التي نقلت الرسم، فتنقله المرأة إلى صديقاتها أو إلى بناتها في المستقبل.

أدّى دخول السيّارات والحافلات إلى فلسطين في العشرينيّات إلى إمكانيّة أكبر لتنقّل النساء، وبالتالي تداول الأشكال والتصاميم بوتيرة أعلى، لتدخل بسلاسة في دائرة التوارث المتعلّقة بالتطريز.