Eight paintings connected together, depicting war times at 'One Tiger or Another' exhibition
الباحثون

قصة عن القصص: نمرٌ ما أو سِواه

17 يناير 2023

إيمان ريزفي

يقام معرض نمرٌ ما أو سِواه، في متحف: المتحف العربي للفن الحديث حتى 21 يناير 2023، ويتناول الحقائق التاريخية المتغيرة.

المشاركة مع صديق

عند دخولي معرض "نمرٌ ما أو سِواه"، وجدت نفسي أفكر في إدوارد غليسان وكتابه "شعرية العلاقة" الصادر عام 1990، حيث يدافع فيه عن حق التعتيم للجميع، كموقف أخلاقي ضد الغزو والسيطرة الإمبريالية. ويرتكز في نقاشه على أنه حتى عندما نتكيف مع الاختلاف بين الناس والثقافات، فإننا نستمر في محاولة تصغير الأشياء لجعلها شفافة، والذي يدل على رغبتنا في "فهم" الاختلاف.

لكن هذا الاختزال يعتمد على التسلسل الهرمي المتأصل، لأنه يقيس الاختلاف مقابل مقياس - فكرة عن معيار - والذي يمكن استخدامه بعد ذلك لإصدار الحكم أو تقييم أمر ما. كتب غليسان "الذي يلزم في هذه الحالة هو التعتيم: الغموض ليس المجهول، بل إنه ما لا يمكن تقليله".

معرض نمرٌ ما أو سِواه، من تقييم توم إكليس ومارك رابولت، هو معرض يتجول في التاريخ الذي يرفض التقليص أو التجميد، ويتحول باستمرار ويعيد ابتكار نفسه. المعرض جزء من النسخة الافتتاحية من رباعية قطر، وهي سلسلة معارض متعددة التخصصات تقام كل أربع سنوات، وتتناول "الحقائق المتداخلة والطرق التي يُسمع بها أولئك الذين يتم إسكات أصواتهم أو من لا صوت لهم".

ويعد معرض "نمرٌ ما أو سِواه" قصة حول كيفية إعادة سرد القصص، وكيف تشكل القصص تاريخنا المتغير. المعرض يأخذنا إلى عالمَين لنمرين، الأول هو السلطان تيبو (السلطان فاتح علي سحاب تيبو، 1751 - 1799)، المعروف تاريخياً باسم "نمر ميسور"، والذي يتناوله المعرض عبر مجموعة من القطع التاريخية والمعاصرة التي تصوّر السلطان تيبو إما بطلاً أو شريراً.

يدور حوار وخلاف هائلين حول إرث السلطان تيبو، حيث يصفه البعض بأنه أول مقاتل من أجل الحرية في الهند، بينما يصفه آخرون بأنه طاغية. يشيد اليساريون بمقاومته ضد الحكم الاستعماري، ويعلن القوميون الهندوس أنه طاغية. عكست عنه التحولات في القصص تحولات في التاريخ والسلطة. يؤرشفُ "نمرٌ ما أو سِواه" هذه الديناميكيات من الناحية المادية، ويحولها إلى تجربة مكانية يمكن زيارتها.

صورة رجل يقاتل نمراً

تتوفر هذه البطاقة البريدية التذكارية على نطاق واسع، ويظهر فيها تيبو وهو يقاتل نمرًا بيديه العاريتين، مرتديًا بدلة غربية مدرعة تشبه العصور الوسطى. وتظهر هذه البطاقة كيف تطورت الأساطير المحيطة بالحاكم الشاب إلى مزيج غريب بين التقاليد الشرقية والغربية.

أما النمر الثاني فيتناوله المعرض عبر العمل المرئي والصوتي للفنان السنغافوري هوو تزو نين (مواليد 1976). يستوحي العمل، المعروض على شاشتين، إلهامه من رسمة لهاينريش لوتمان في القرن التاسع عشر تحت عنوان "تعطيل مسح الطرق في سنغافورة"، والتي تصور حادثة (متخيّلة) من عام 1835، يتعطل خلالها مسح الطرق بسبب هجوم نمر. يقدم هوو لتلك اللحظة تفسيراً أوسع على الطبيعة المتغيرة لكيفية سرد المواجهات الاستعمارية على مدار التاريخ. بالنسبة للبعض، كان مساح الطرق يمثل الحداثة في السابق، حيث يقوم بترويض التضاريس البرية التي تضم "الآخر"، بينما بالنسبة لآخرين، قد يمثل النمر الأشكال الأصلية للمقاومة التي تقاوم البعثات الاستعمارية. يستكشف الفيديو تحول شكل النمر خلال صناعة الأساطير الوطنية والأساطير الأصلية لمالايا، والأساطير التي تبدو أنها تناقض الحافز الاستعماري والحضاري والحداثي.

نمر يقفز عبر الشمس الحارقة.

هوو تزو نين (سنغافورة، مواليد 1976). صورة ثابتة من نمر واحد أو عدة نمور، 2018. فيديو على شاشتين. بإذن من الفنان.

حكايات كلا النمرين متجذرة بعمق في الحدود بين المستعْمِر والمستعْمَر، والمفاهيم المتغيرة لكل منهما على أنها إما صالحة وشجاعة، أو بربرية وعنيفة. يعتبر السلطان تيبو رمزاً خاصاً لهذا الهشاشة، حيث يتم ذكره باعتباره المستعْمِر والمستعْمَر وفقاً لما يتماشى مع موقف الراوي. من خلال التركيز على التوترات بين مجموعة من القطع المادية والفنون المرئية (المصنوعات التاريخية والفن المعاصر والملصقات والقطع التابعة للثقافة الشعبية) يطرح المعرض سؤالاً: هل يتكون العالم من مراكز وأطراف، ومفهوم للفن ينطوي على وجهات نظر ثابتة أو مستقرة؟ ويسأل: كيف تتطور الحقائق حول الثقافة والتاريخ؟ وإلى متى تبقى "حقائق"؟

تثير هذه الأسئلة الاهتمام عند تطبيقها على مفهوم غليسان للحق في التعتيم. قد يكون التاريخ غير قابل للاختزال، وقد تكون عدسة الحقيقة التاريخية والشفافية مختزلة للغاية لاحتوائه.

تخلق رؤية معرض "رباعية قطر" القيّمة الظروف الملائمة لإثارة مثل هذه الأسئلة بطرق مثيرة. الموضوع مستوحى من الموقع الجغرافي لدولة قطر بصفته مفترق طرق للحوار والتبادل الثقافيين. ويستخدم العرض عملية تكوين اللؤلؤ كاستعارة تمثّل تطور الثقافة. يستكشف رباعية إدخال المحفزات في نظام ما، كالرمل في المحار، حيث يمتصه المتلقي ثم يتحول إلى شيء جديد.

يهدف المعرض إلى الكشف عن أن ما يبدو كياناً واحداً متّحداً هو في الحقيقة مزيج من مواد وحقائق مختلفة تكونت بمرور الزمن.

في عام 2024، سيقام معرض رباعية قطر في عدة مواقع في جميع أنحاء قطر، بما في ذلك المواقع التراثية والبيئية والمجمعات التجارية، والأسواق، ومساحات العرض التقليدية.

إيمان ريزفي، أخصائي تحرير في متاحف قطر.