A painting with a deep blue background, circular images and featuring the Arabic letter 'ain' in the bottom center.

إضاءة على المقتنيات: مديحة عمر، رائدة الخط العربي الحديث المبكّر

26 سبتمبر 2023

بقلم ريم البحراني

تضم المجموعة الدائمة في متحف: المتحف العربي للفن الحديث أعمالاً للفنانة مديحة عمر، وتعيد تقديمها باعتبارها رائدة التجارب المبكرة في فن الخط العربي الحديث.

المشاركة مع صديق

كان للفنانة الحداثية العربية البارزة مديحة عمر (1908 – 2005) دور فعال في تشكيل حركة الحروفية في منتصف القرن العشرين في العراق.

ولدت الفنانة في مدينة حلب السورية، ونشأت في العراق حيث أصبحت مواطنة متجنسة. اهتمت مديحة بالمنطقة في الفترة التي تلت الدولة العثمانية، والتي تزخر مبانيها الإسلامية بالتفاصيل الأصيلة للخط العربي. وانصبّ اهتمامها كذلك على الازدهار الثقافي في الإمبراطوريات القديمة للعراق وصولاً لعصر الحداثة.

تلقت تعليمها في بيروت واسطنبول قبل أن تصبح إحدى أوائل النساء اللاتي أرسلتهن الحكومة العراقية في منحة دراسية إلى إنجلترا، حيث تلقت التعليم الفني النظامي في كلية ماريا غراي للتدريب وهي أول كلية لتدريب المعلمات في البلاد. وفي عام 1933، عُيّنت مديحة لدى عودتها إلى بغداد رئيساً لقسم الفنون في كلّيّة تطبيقات دار المعلمات، في وقت استثمر فيه العراق بكثافة في التعليم الفني.

كانت الأربعينيات من القرن الماضي فترة انتقالية بالنسبة للفنانة. فبعد استقرارها في واشنطن العاصمة عام 1942، تابعت تعليمها الفني في جامعة جورج واشنطن حيث اكتشفت أعمال الباحثة العراقية الأمريكية نبيهة عبود، أستاذة الدراسات الإسلامية وعلم البَرْديّات والمخطوطات القديمة، والتي ركّزت أبحاثها على التطور المبكر للخط العربي. أوْجَدَ ذلك إطاراً تأسيسيّاً لمقاربة مديحة الجماليّة في تعاطيها مع الأبجدية العربية، والذي تضمّن استخلاص الحروف من سياقاتها التقليدية إلى أشكال تجريدية، مع الإبقاء على جوهرها السامي.

لوحة فنية متعددة الألوان تضم دوامات بألوان مختلفة وخلفية زرقاء داكنة.

مديحة عمر، بدون عنوان، 1966. ألوان زيتية على قماش 62 × 62 سم. تعرض حالياً في صالات عرض المجموعات الدائمة في متحف. بإذن من المتحف العربي للفن الحديث.

بالنسبة للفنانة، يمتلك الحرف قدرة العبور إلى ما وراء طبيعة استخداماته التقليدية، ليتحول إلى شكل حُرّ، مستقلا بذلك عن الأحكام المتعلقة بمعاني الكلمات. عرضت مديحة، خلال أول معرض شخصي لها في واشنطن العاصمة عام 1949، أوائل أعمالها التجريبية، والتي أظهرت الأبجدية العربية بصفتها العنصر الأساسي والرسومي لأسلوبها التجريدي. إلى جانب المعرض، نشرت بياناً فنيّاً بعنوان: "الخط العربي: عنصر استلهام في الفن التجريدي" وخلُصت فيه إلى أنّ كل حرفٍ له قدرةٌ على إنتاج تكوين تجريدي، بشخصيته وديناميكيته المتميزة.

أدّت اللغة البصرية عند مديحة إلى ظهور حركة الحروفية في منتصف القرن العشرين، إلى جانب فنانين بارزين من أمثال جميل حمودي، والتي تحدّت فيها وجهة نظر الغرب التقليدية عن الفن العربي الحديث، من خلال التأكيد على الخصوصية الثقافية التي تعكس هوية المنطقة.

لوحة ذات خلفية زرقاء داكنة وصور دائرية يظهر فيها الحرف العربي "عين" في وسطها السفلي.

مديحة عمر، بدون عنوان (حرف العين)، 1986. ألوان زيتية على قماش 75 × 85 سم، بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث.

في تقنياتها الفنية اللاحقة، حين غرست السيميائية في حروفها الطيّعة، كانت مديحة متأثرة بدورها في جماعة البُعد الواحد، التي أسّسها الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد عام 1971. وبعد عقد من الزمن، وفي معرض أقيم في بغداد عام 1981، أصبحت مديحة أول فنانة تعرض فن الخط الحديث في العالم العربي. وتظهر عضويتها في مجموعة البعد الواحد عبر لوحتها "حرف العين" عام 1986، حيث ركزت الفنانة على حرف (ع)، الذي ينقل المعنى إلى العين الباصرة، التي تفتح باب الإدراك عبر التجربة البصرية. تتبع اللوحة شكل الحرف في تدفّقه وانهماره، في مسارٍ متشابك عبرَ قالبٍ حَيَويّ متكرر من الصور التعبيرية.

صورة بالأبيض والأسود للفنانة مديحة عمر

مديحة عمر، نيويورك، عام 1995. بإذن من تركة مديحة عمر.

ونتيجة للصراعات السياسية وعمليات النهب، لم تعد أعمال مديحة متوفرة في كثير من المجموعات الفنية العامة، ما يمنح مقتنيات متحف مزيداً من الأهمية.

تكشف بِنية أعمالِها مقاربتَها الإبداعية للعناصر البصرية في اللغة العربية والقدرة على نقل الهويات الثقافية والوطنية. وقد تم الاحتفاء بمساهماتها البارزة في حركة الفن الحديث في العراق عالمياً، وما زالت أعمالها تُعرض في جميع أنحاء العالم.

تم إعادة صياغة أعمال مديحة ضمن تغييرات المجموعة الدائمة في متحف: المتحف العربي للفن الحديث عام 2022، لتمثيل دورها في نشأة الخط الحديث وآثار ذلك على التجارب اللاحقة، والمعنى والخصائص التشكيلية المرنة اللامتناهية في الأبجدية العربية.

ريم البحراني باحث مساعد في متحف: المتحف العربي للفن الحديث

المراجع

بنان أحمد الأنصاري. التواريخ والممارسات وأشكال التواصل المترابطة: استخدام الخط العربي لتعلم الطباعة العربية، جامعة شمال تكساس، 2015.

وجدان علي. بحث للرسم الحديث في العالم الإسلامي وتطور مدرسة الخط المعاصر. جامعة لندن- كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (المملكة المتحدة)، 1993.

الفن الحديث في العالم العربي: وثائق أساسية- تحرير ندى محمد الشبوط بالاشتراك مع سارة روجرز و أنيكا لينسن، منشورات متحف الفن الحديث، 2018.

تركة مديحة عمر. https://www.madihaumar.com/biography

فايق عويس. موسوعة الفنانين العرب الأميركيين، مطبعة جرينوود، 2008.

ندى محمد الشبوط. الفن العربي الحديث: تكوين الجماليات في الفن العربي، مطبعة جامعة فلوريدا، 2007.

سهيلة طقش ولين جامبيرت وافتخار دادي وهنا فيلدمان وصلاح محمد حسن وأنيكا لينسن وسلوى مقدادي وسعود القاسمي وندى شبوط وكايلين ويلسون-غولدي. تبلور الفن التجريدي في العالم العربي بين خمسينيات وثمانينيات القرن العشرين. دار نشر هرمر، 2020.

خطط لزيارتك

الدخول إلى متحف مجاني ويشمل زيارة المعارض المؤقتة وصالات العرض الدائمة. احجز تذكرتك المجانية مسبقاً لاختيار الفترة الزمنية المفضلة لديك.

احجز تذكرتك