س: حدثينا عن الفكرة والتصوّر وراء هذا المعرض والقرارات التي اتخذها القيمون الفنيون لاختيار هذه المجتمعات الثلاثة بالتحديد، والمفردات المستخدمة لتصنيفها؟
الدكتورة ليلى أبو لغد: كان بناء التصور وراء هذا المعرض معقّداً، ومع ذلك فقد أدى الفريق عملاً جماعياً رائعاً. كان تحدياً فكرياً كبيراً بالنسبة لشخص مثلي اعتاد الكتابة، فوجدت نفسي في حاجةٍ إلى إيصال المعرفة وأساليب التفكير المختلفة إلى جمهورٍ واسع ومتنوع دون تعقيدها أو تسطيحها.
لم تكن البداية انطلاقاً من مفهوم أو فكرة متكاملة، وإنما بدأنا ببعض المقتنيات الرائعة من مجموعة متحف قطر الوطني. قادت الفريق الدكتورة ألكسندرا بونيا، وهي خبيرة متخصصة في دراسات المتاحف. أما أنا فكنت "مستشارةً تفسيرية". فقد عشت مع رعاةٍ سابقين من المجتمع البدوي في مصر، وكتبت عنهم، وقرأت كل الأبحاث التي أجريت في مجال المعارض الدائمة التي تتناول تراث الرعاة في قطر.
ولتطوير موضوعات المعرض وهيكله، وظّفنا قيّمين فنيين متخصصين وذوي خبرات مميزة في مجال الرعاة المتواجدين في المناطق التي تناولها المعرض. وبحثنا عن علماء أنثروبولوجيا عايشوا هذه المجتمعات، وفي الوقت نفسه يفهمون ثقافاتها وحياتها اليومية ولغاتها وظروفها التاريخية والجدل العلمي حولها. كل هؤلاء إلى جانب الخبراء القطريين في المتحف شكلوا فريقاً متميزاً استطاع إنجاز المهمة بعد مجاذبات ومناقشات مكثفة. كان القاسم المشترك بين جميع أفراد الفريق هو الالتزام بإنشاء معرض مبتكر ومبني على دراسات دقيقة؛ ليكون جديراً برواية قصص تلامس أي شخص مهتم بمستقبل كوكبنا.
بصفتنا قيمين فنيين وعلماء أنثروبولوجيا، أردنا أن نُخبر العالم عن كل ما هو مهم في هذه المجتمعات التي عرفناها وأعجبنا بأسلوب حياتها، وتربيتها الماشية ورعايتها. أردنا أن يدرك الناس معنى الحياة في بيوت متنقلة لا تستهلك الموارد، أو تترك آثاراً دائمة، وأن يحافظوا على البيئة. ربما من المهم التفكير في هذه النقطة والبحث عن أسلوب حياة لا يدمر البيئة.
استغرق تصميم المعرض أكثر من عام، وكانت رحلة حافلة بالنقاش والتخطيط، وتضمّنت إعداد حزم البحث وتبادل الآراء حول المصطلحات، والنظر في المقتنيات الموجودة لدينا في المتحف، والمقتنيات التي يمكن استعارتها من الخارج، وهذا كلّه أتاح لنا أن نُسرد هذه القصة التي أخذت اتضّحت لنا تدريجياً من خلال نقاشاتنا.
كانت قطر محور اهتمامنا، لكننا توسعنا شرقاً إلى منغوليا، حيث الخيام التقليدية الرائعة التي ألهمت الأوروبيين صناعة خيام اليورت التي تتمتع بشعبية كبيرة بين محبّي التخييم المهتمين بالبيئة. كما ألهمت مهندسين معماريين أميركيين معرووفين مثل بوكمينستر فولر.
ثم توجّهنا غرباً إلى الصحراء الوسطى في إفريقيا، حيث قبائل البدو الرحل الذين يعيشون ويرحلون مع قطعانهم من الإبل والماعز. يطلق هؤلاء القبائل على أنفسهم اسم "إموهار" لكنهم العالم يعرفهم باسم الطوارق. وهنا يبرز لنا التساؤل مرة أخرى عن المصطلح الأنسب الذي علينا استخدامه في معرضنا.
يضم المتحف الوطني مجموعةً ممتازة من المقتنيات القطرية ومن الصحراء الوسطى. وقد أعاد المختصون ترميم عدة قطع أصلية، منها خيمة كبيرة مصنوعة من جلد الماعز، وأعمدة خشبية منحوتة، وأوعية حليب، ومصدّات رياح نسجتها نساءِ هذه المجتمعات، وحقائب جلدية مهدّبة، وغيرها من الأدوات. اتضح أن منغوليا كانت اختياراً رائعاً لأن عالم الأنثروبولوجيا الذي أشرف على هذا الجزء من المعرض أقام علاقات وثيقة مع الزملاء في المتحف الوطني المنغولي، وقد أظهروا حماساً كبيراً للمشاركة في معرضنا، وكانوا كرماء بكل ما قدموه، بما في ذلك خيمة يورت مصنوعة من اللباد، ومجوهرات، وملابس، وسروج خيل، وآلات موسيقية، وغيرها من المقتنيات. كما أعارنا المتحف الوطني للفنون بعضاً من أروع الكنوز الفنية المنغولية التي تقدم تصوّراً جديداً عن الرعاة وبيئاتهم.
لم نكن نرغب في أن يركز هذا المعرض على الإثنوغرافيا وحدها، لتلافي الوقوع في فخ تمثيل هذه المجتمعات وأساليب حياتها بطريقة جامدة ورسمية. تختلف هذه المجتمعات الثلاثة عن بعضها إلى حد كبير. وقد أدى اختلاف مواقعها الجغرافية وبيئاتها إلى اختلاف تاريخ كل منها عن غيرها، مثل تاريخها مع الاستعمار، وتطلعاتها السياسية، والتحديات التي تواجهها.
ونظراً لوجود هذه الاختلافات، قررنا في البداية، رسم تصورنا عن هذه المجتمعات انطلاقاً من القاسم المشترك بينها، والذي يتمثل في كونها مجتمعات رعوية يعيش أهلها مع الحيوانات ويسكنون في مساكن متحركة تتيح لهم التنقل مع قطعانهم.
وإذا اعتبرنا أن الرعاة هم الذين يعيشون بشكل وثيق مع الماشية، فعندها يمكن القول إن هذا هو القاسم المشترك بين هذه المجموعات الثلاث. لكن في الوقت نفسه، كان علينا أخذ الاختلافات بعين الاعتبار. وقد كان هذا درساً مهماً لنا: لا يمكننا النظر إلى أي مجموعة من البشر بمعزل عن التاريخ والسياسة.
على سبيل المثال: كان للاستعمار السوفييتي والزراعة الجماعية الأثر الأكبر في تشكيل الرعي المعاصر. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وجد الرعاة أنفسهم يهوون بسرعة نحو قاع النيوليبرالية؛ نتيجة غياب الدعم الكافي لأسلوب حياتهم. أما في قطر، فقد حمل اكتشاف النفط والغاز كثيراً من الفرص والإمكانات التي أدت إلى استبدال أسلوب الحياة شبه البدوي بأساليب حياة أخرى.