يشكِّل التراثُ الثقافي القيمَ والمعتقدات والطموحات، ويصوغ هوية الأمم ويوثِّق إنجازات أبنائها. فعندما أتأمل موقعاً كموقع الزبارة على سبيل المثال، لا أرى في قلعة الزبارة صرحاً مذهلاً أو في أطلال الزبارة مدينة قديمة فحسب، بل استحضر في مخيلتي جدةً تجدلُ ضفائر حفيدتها، ومشهد الوداع الذي يجمع صائد اللؤلؤ بأسرته، واجتماع كبراء المدينة وهم يناقشون مسألة اتخاذ طرق جديدة للتجارة. وكل من يتأمل ذلك المنظر سيرى مشهداً مختلفاً وسيستحضر روايةً مختلفة.
التراث الثقافي هو نتيجة للحفاظ على تلك الذكريات القديمة والقيمة. ولهذا سيظل مفهوم الحفظ والحماية مرتبطاً به للأبد. ولا يُسمى التراث الثقافي تراثاً إلا إذ أورثَه جيلٌ سابق لجيلٍ حالي ليحافظ عليه وينقله إلى الجيل الذي يليه. وعلى الرغم من أن المتاحف بمثابة أوعية لحفظ الذكريات، فإن هناك من الذكريات ما لا يمكن تقديمه في صالات عرضها. تلك الذكريات قد تتمثل في طرق نسلكها، أو مبان نمر بجانبها، أو في طريقة ارتدائنا الملابس، أو في حكايات نقصها على أطفالنا.